查看原文
其他

تجميد الدماغ.. هل يمكننا أن نخدع الموت؟

منوعات TamamArabic 2020-02-11

"الدماغ في وعاء"، مصطلح فلسفي متداول في عدة تجارب فكرية، ويقصد به تسليط الضوء على ملامح معينة لأفكارنا عن المعرفة والواقع والحقيقة والعقل ومعاني الأشياء، إذا ما وصل الدماغ في الوعاء بحاسوب، عندها فإن الإنسان الذي أزيل دماغه سيظل يشعر بتجارب حياتية طبيعية. وقد شغل المفهوم كثيرا من الفلاسفة والعلماء، فما سر هذا الهوس العجيب بالدماغ في وعاء؟ وهل يمكنك تخيل أن يوضع دماغك في وعاء ويُربط بحاسوب يحيا بداخله للأبد؟ 

  

نص التقرير

لا يملك معظم الناس فرصة تأمل دماغهم في وعاء. إلا أنني سأكون في هذا الموقف المثير بحلول عيد الميلاد، إذا ما سار كل شيء وفقا لما خططتُ له. لحسن الحظ، سيبقى لديَّ الدماغ الذي أستخدمه حاليا؛ وبذلك سأكون قادرا على التأمل، أما الآخر فسيكون دماغي الثاني -في حجم حبة البازلاء المجمدة تقريبا- الذي سيكون قد نما من كتلة صغيرة من اللحم أخذها الباحثون في معهد علم الأعصاب بجامعة لندن -مؤخرا- من ذراعي.


سيجري تحويل خلايا بشرتي إلى حالة شبيهة بالخلايا الجذعية، يمكنها النمو لتصبح أي نوع من الأنسجة، وذلك باستخدام أساليب حائزة على جائزة نوبل وُضعت في منتصف الألفينات، ثم ستتحول ما يطلق عليها الخلايا الجذعية المحفزة عالية الإمكانات، أو (IPSCs)، بلطف إلى خلايا عصبية. وباتباع نفس نهج الخلايا العصبية في الجنين، فإن الخلايا المستنبتة تنظم نفسها في هيئة تشبه الدماغ، مستخدمة هويات بعض الأنواع المختلفة من الخلايا العصبية للدماغ، بداية بتشكيل ملامح مألوفة للثنيات والتلافيف، وستبدأ الخلايا العصبية في إرسال إشارات لبعضها البعض، وبالطبع لا يمكننا أن ندعو هذا تفكيرًا بشكل صحيح، ولكنه يشكِّل مكونات التفكير. لن يصبح دماغي الصغير أكبر من حجمه المقارب للبازلاء، ولكن؛ لأنه سيفتقر إلى إمدادات الدم، فبعد حجم معين، ستُحرم الخلايا العصبية الداخلية من الأوكسجين وتموت.

يزرع الزملاء في جامعة لندن مثل هذه الأدمغة المصغرة لدراسة الأمراض العصبية التنكسية. [المرض التنكسي: هو داء تتدهور فيه وظيفة أو بنيان الأنسجة أو الأعضاء التي تُصاب به بمرور الوقت] من خلال صنع شبيه العضو هذا من الخلايا الجذعية المحفزة عالية الإمكانات لأشخاص ذوي استعدادات وراثية للظروف المسببة للخرف مثل مرض الزهايمر، بغية الوصول إلى حالة التمكن من التحقيق في كيفية خلق هذه الجينات للمشاكل، وربما ينتهي بهم المطاف بالعثور على العلاج. ودماغي الصغير، سيستخدم كعينة مراقبة صحية مجهولة المصدر لصالح البحث.

  

ليس لديَّ أي فكرة حتى الآن كيف سيكون رد فعلي عندما أرى "دماغي في وعاء" لكن ذلك جعلني أفكر في مدى انتشار هذا المصطلح، ومدى الاستثمار فيه. هناك شيء حميم بشكل مزعج حول رؤية -وربما حتى لمس- دماغ شخص آخر، وليس من المستغرب أن الصورة تُعرض في حكايات الاعتداء، حقيقية كانت أم خيالية؛ فكثيرا ما يُنظر إلى القلب المحفوظ في الفورمالين على أنه مجرد نفاية خاملة، ولكن يبدو أننا نشك أنه بداخل الانشقاقات الناعمة للدماغ البشري يكمن الشخص نفسه بطريقة ما -أو على الأقل توجد أدلة عما جعله مَن كان عليه. لذلك أصبح "الدماغ في وعاء" رمزا مضللا عن النفس. ويمثل سطحها الرمادي الممتلئ بالثنيات حدا وهميا بين كل ما نعرفه وكل شيء خارج تلك المعرفة.

  

نعثر على الشخص ثم نخوض في دماغه: دماغ ألبرت أينشتاين، الذي أزاله عالم الأمراض توماس ستولتز هارفي بعد وفاة الفيزيائي الكبير في عام 1955، قُطع إلى شرائح وحُفِظ. واحتفظ هارفي نفسه ببعض تلك الشظايا بشكل هوسي تقريبا؛ وقد وجدت باقي قطع الدماغ طريقها إلى المتاحف حاليا، حيث أصبحت رموزا غامضة للعبقري.

 

وتكثر الشائعات عن سبب كون دماغ آينشتاين "مميزًا"، ولكن الحقيقة هي أنه مرجح أن يظهر دماغ الجميع بعض الانحرافات عن القاعدة. وبينما يمكن ربط بعض السلوكيات بالسمات الفيزيائية لمناطق الدماغ المختلفة، فإن بنية الدماغ نفسها تستجيب للتجربة، نحن لسنا من نحن عليه بسبب دماغنا فحسب، بل إن الأمر عكسي كذلك. على سبيل المثال، وجد أطباء الأعصاب بجامعة لندن أن الجزء الخلفي من حُصين سائق سيارة أجرة في لندن، وهي منطقة بالدماغ مرتبطة الذاكرة والملاحة، تتوسع أثناء التدريب.

ومع ذلك، فإن فكرة الدماغ المُقدّر تبقى في فكر فريتز مساعد الدكتور فرانكنشتاين الذي أعطاه دماغًا "غير طبيعي" [تنطق آب نورمال بالانجليزي] لمجرم ليضعها في "وحشِه" في فيلم جيمس ويل عام 1931، متوقعا للمخلوق أن يكون قاتلا. (يخرق الشاب فرانكنشتاين في فيلم ميل بروكس هذا المشهد عندما يخبر مارتي فيلدمان-مساعد الجنرال وايلدر- سيده أن الدماغ ينتمي إلى "أبي نورمال").


وهناك انحرافات عن التقاليد المحترمة لحفظ الأدمغة للتشريح، وهي أكثر تقززا بكثير من أي شيء تجده في روايات رعب القوطية. [نوع من الرواية الرومانتيكية المبكرة يتميز بأجواء الرعب والغموض التي تسوده، وبعنصر التشويق الذي يهيمن عليها]. ففي السبعينيات، اتضح أن رفوف الأدمغة الصغيرة في الأوعية ، والتي كانت محفوظة لعقود في الطابق السفلي من مستشفى أوتو فاغنر في فيينا، أُخرجت من الأطفال. وكان الأطفال يُحتجزون في "جناح خاص للأطفال"، وقُتلوا باعتبارهم "مختلون عقليا" بقيادة الطبيب النازي هاينريش غروس الذي يبدو أنه اعتزم دراسة الأسباب التشريحية لهذا "الخلل".


في يومنا هذا، يريد بعض الناس أن ينتهي دماغهم موضوعا في مرطبان باختيارهم، وليس ذلك لصالح البحوث الطبية، ولكن لأنهم يرون أنهم قد يحتاجونها مرة أخرى. وتجميد الدماغ هو عمل تجاري كبير، يدفع عدة مئات من الناس ما يصل إلى مئتي ألف دولار أو نحو ذلك لتحفظ أجسادهم مجمدة بعد الموت أو أقل من نصف تلك التكلفة لرؤوسهم فقط. وأملهم هو أن العلم سيتمكن من إعادة إحياء الدماغ يوما ما وبالتالي يعود الشخص للحياة مجددا، وربما بعد ذلك يعيش إلى الأبد. (لن تحتاج بالضرورة إلى جسمك الأصلي، خاصة إذا توفيت من بعض الحوادث المميتة أو المرض).

 

حاليا يبدو أنه لا يوجد أي احتمال حقيقي أن الدماغ المجمد يمكن إحياؤه، ويشير الخبراء إلى أن التقنيات المبردة اليوم تسبب أضرارا حتمية تلحق بالأنسجة، وأن ذوبان الجليد سوف يحفز أكثر من ذلك. لكن الساعين للخلود ومؤيدي تجميد الدماغ يؤكدون أن التكنولوجيا توفر بصيصا من الأمل أنه يوما ما ربما يمكن خداع الموت. وكتب عالم الكمبيوتر رالف ميركل قائلا: "إذا كنت تستطيع سد الفجوة ( مجرد بضعة عقود)،فقد نجحت، كل ما عليكَ القيام به هو تجميد حالة نظامك إذا حدث انهيار، وانتظار تطور التكنولوجيا، أي يمكن تعليقك إلى أن يتم تحميلك".

انهيار؟ يجري تحميلك؟ يمكنك أن ترى إلى أين يتجه ذلك؛ الفكرة تكمن في كون الدماغ مجرد نوع من الكمبيوتر، ممتلئ بالبيانات التي يمكن تخزينها على القرص الصلب في ملف يسمى "أنت". وكما يرى ميركل، فإن دماغك مادة تحكمها قوانين الفيزياء؛ ويمكن محاكاة تلك القوانين على الحاسوب؛ وبالتالي سيكون الأمر ذاته للدماغ أيضا، فعلى الرغم من أن شبكة الاتصالات العصبية في الدماغ معقدة تعقيدا فلكيا، يمكننا وضع حد أعلى لعدد البتات [bits: البت أصغر وحدة حاملة أو ناقلة لمعلومة]، المطلوبة لترميزه، ووفقا لحسابات ميركل فإن تحميل محتويات الدماغ سوف يحتاج إلى ذاكرة كمبيوتر من حوالي 1018 بت، وسرعة أداء حوالي 1016 عملية/الثانية. وهو أمر قابل للتخيل مع المعدل الحالي للتقدم التكنولوجي.

 

وفقا لهذه الرؤية " البَعد إنسانية"[تدعم استخدام العلوم والتكنولوجيا الجدية لتعزيز القدرة الإنسانية العقلية والفيزيائية وقدرة تحمله وحتى إلغاء ما يعتبر غير مرغوب في معظم الأحيان مثل الغباء، المعاناة، المرض، الشيخوخة وأخيرا التخلص من الموت]، فإننا سوف نتمكن قريبا من العيش داخل أجهزة الكمبيوتر، وستتحول الدماغ في المرطبان إلى دماغ على رقاقة إلكترونية. و تتجاهل تلك الرؤى المشوشة عن تحميلات الدماغ، حقيقة أن الدماغ ليس جهازا ولكنه عضو في الجسم. ويرى العديد من الخبراء في كل من الذكاء الاصطناعي والعلوم المعرفية أن التجسيد هو محور الخبرة والوظائف الدماغية. على المستوى الفسيولوجي الفوري، لا يسيطر الدماغ على بقية الجسم فحسب، بل إنه يشارك في خطاب متعدد القنوات مع تجربته الحسية، عن طريق الهرمونات في مجرى الدم مثلا.

 

والتجسيد هو محور الفكر نفسه، وفقا لأيقونة الذكاء الاصطناعي موراي شاناهان، الذي عمل مستشارا لفيلم الذكاء الاصطناعي "إكس ماشينا" لاليكس غارلاند في 2014. ويكتب شاناهان، وهو أستاذ في علم الروبوتات الإدراكي [ علم يهتم بمنح الروبوتات سلوكًا ذكيًا من خلال تزويدها بنظام معالجة يسمح لها بالتعلم وكيفية الإدراك عند الاستجابة لأهداف معقدة] في كلية "إمبيريال - لندن"، أن الإدراك هو إلى حد كبير عن تخيل عواقب التصرفات المادية التي قد ننهجها في العالم، وعملية "بروفة داخلية" للسيناريوهات المستقبلية.

وفي هذه الرؤية، ليست فكرة " الدماغ في وعاء" هي صورة عملية للإنسان بأكمله، ويمكن القول إن الدماغ في رقاقة إلكترونية يمكن أن يقترن بجسم روبوتي، مما يتيح التفاعل البدني مع المناطق المحيطة بها، أو حتى مجرد محاكاة للبيئة الافتراضية. غير أن وجهة نظر شاناهان تثير تساؤلات حول ما إذا كان هناك أي جوهر عقلي محض "لك" يمكن تعبئته في المقام الأول.

 

وقد استحوذ الجانب المجسد من الدماغ على الفلاسفة منذ فترة طويلة، الذين يناقشون ما إذا كان ما يسمونه "الدماغ في وعاء" وحده يمكن أن يطور أي مفهوم موثوق للحقيقة عن العالم. وينبع السؤال من سيناريو افتراضي: كيف يمكنك أن تعرف أنك لست مجرد دماغ في وعاء يُعرض لعالم محاكى؟ كيف إذن يمكنك أن تعرف أن كل معتقداتك عن العالم ليست كاذبة؟ ودخل السؤال الثقافة الشعبية عبر أفلام ماتريكس، وهو الآن تقريبا ميناء إلزامي لمناقشات فلسفة العقل. غير أنه كان حبّا للمطحنة الفلسفية قبل وقت طويل من الإخوة واشوسكي [مخرجا سلسلة "ذا ماتريكس"].


إقراء أيضا

منشورات شائعة  قد تقودك الى غير الطريق

إحتجاز إجانب في هونكونج على خلفية سرقة سيارة أجرة

يفضلون العلاقات العابرة.. السر وراء هرب الشباب من الزواج

شيمان.. قصة نجاح شابة لبنانية قهرت كل التحديات


وكان الناقد الأكثر شهرة لشكوك "الدماغ في وعاء" هو الفيلسوف الأميركي الراحل هيلاري بوتنام، الذي جادل في عام 1981 بأن الفكرة كلها متناقضة. والكلمات والمفاهيم المستخدمة من الدماغ في الوعاء لا يمكن تطبيقها تطبيقا ذو مغزى على الأشياء الحقيقية خارج تجربة الدماغ الخاصة، لأن القدرة على التفاعل السببي مع الأشياء المحددة التي تُسميها الكلمات هي بطبيعتها كيفية اكتساب هذه الكلمات للمعنى، كما قال بوتنام. حتى لو كانت هناك أشجار فعلية في العالم المحتوي للوعاء، وجرى محاكاتها للدماغ، فإن مفهوم "شجرة" لا يمكن أن يقال للإشارة إليها من وجهة نظر الدماغ.وينطبق الشيء نفسه على كلمتي "الدماغ" و " الوعاء" والذي لا يمكن الإشارة بهما إلى الأدمغة الفعلية أو الأوعية الفعلية ، بالنسبة للدماغ في الوعاء. ويعبر الفيلسوف أنطوني بروكنر عن حجة بوتنام في ما يبدو وكأنه عبارة من حكم طائفة زن (البوذية): "إذا كنتُ دماغا في وعاء، فأنا لست دماغا في وعاء".

   

وليس من المستغرب ألا يقتنع الجميع بحجة بوتنام اللوذعية ضد حقنا في أن نكون متشككين. ويضيف الفيلسوف توماس ناجيل انطباعا بأنه يبدو أن الفلاسفة يحاولون الهروب- أشبه بـ[الساحر] هوديني-، من وعاء عقولهم الزجاجي المقفول. ويقول ناجيل، ماذا إذن لو لم أستطع التعبير عن شكوكي بالقول ربما أنا دماغ في وعاء ويجب أن أقول بدلا من ذلك: ربما لا أستطيع حتى أن أفكر في حقيقتي، لأنني أفتقر إلى المفاهيم الضرورية وظروفي تجعل من المستحيل بالنسبة لي الحصول عليها؟ هذا لا يزال متشككا جدا.

قد تبدو فكرة "الدماغ في وعاء" وكأنها أحد سيناريوهات برهان الخلف [هي برهنة أساسها إثبات صحة المطلوب بإبطال نقيضه أو فساد المطلوب بإثبات نقيضه] التي يتمتع بسببها الفلاسفة بسوء السمعة، ولكن البعض يعتقد أنه بالفعل حقيقة واقعة. واستخدمت عالمة الأنثروبولوجيا هيلين مياليت هذا التعبير لوصف الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ في عيد ميلاده الحادي والسبعين، في عام 2013. هوكينغ، الذي كان قعيدا على كرسي متحرك لعدة عقود بسبب التصلب الجانبي الضموري، غير قادر الآن على استخدام أي عضلة في جسده باستثناء حركات طفيفة من تلك العضلات الموجودة في خده، والتي ترتبط بنظام كمبيوتر يسمح له بالاتصال والتفاعل مع العالم. وقالت مياليت أن هذا يجعله بشكل أساسي دماغا مرتبطا بآلات: لقد أصبح "آلة أكثر منه رجلا"، مثل دارث فيدر(شخصية شهيرة في سلسلة أفلام Star Wars).

 

والوصف- الذي عُنيَ منه فقط تسليط الضوء على اعتمادنا المتزايد على واجهات آلية- جذب انتقادات شديدة وإدانات. ولكن ربما كانت مياليت توضح بطريقة مباشرة مواجهة كيف ينظر كثير من الناس منذ فترة طويلة لهوكينغ: باعتباره دماغ ألمعية محاصرة في جسد لا يعمل. وقدرته المذهلة على التحمل في مواجهة الحالة والتي لا يمكن لمعظمنا تصورها تناسب تأهبنا لحشو كل معارفنا عن الإنسانية في العضو الوحيد الذي ينظم وجودنا في العالم.

 

وربما يعارضني دماغي الصغير في الوعاء في ذلك. ولكن افترض فقط لو أننا استطعنا منحه إمدادات الدم وتركناه يستمر في نموه إلى أن يصل "للحجم الكامل" فماذا سيختبره حينها؟ إنها فكرة اصطناعية شنيعة وهي فكرة من شأنها إفزاعي بشكل لن يفعله "كبد بحجم كامل في وعاء." وسأكون -أحسب ذلك- مجبرا على شك أن هناك شخص ما بداخله - وبأعماقي ربما سأشك أنه هذا الشخص هو أنا.

    您可能也对以下帖子感兴趣

    文章有问题?点此查看未经处理的缓存