ظرفطة, كلها دروشة | ماجد القطواني

أراء الرجال من حيث المبدأ محل نظر ولا معول عليه في قبول شيءٍ أو رده سوى الدليل، ومن السهل إلقاء التهم والتعميمات، ولكن القوة كلها في التدليل عليها. 

زعم بعضهم أن هذا الفيروس عقاب من الله لذنب كذا وكذا. وخرج آخرون في الرد على ذلك بمصطلحات مثل رجال الدين، الدراويش، الكهنة، وهي مصطلحات تهويلية أخذت مسلكًا ذاتيًا أبعد ما يكون عن الموضوعية. 

نعم هناك دراويش، ولكن كم هم؟ وما نسبتهم؟ وما مدى تأثيرهم في الأمة؟ وما قول أغلب العلماء في ذلك؟ ليس من الانصاف في شيء نقل قول أقلية الأقلية ممن قالوا أن ذلك عقاب من الله لجرم كذا أو كذا، وترك الأغلبية التي نفت ربط عقوبة معينة بذنب معين بدون برهان أو دليل من الله.

ثم إن هذا الفيروس إما أن يكون عقابًا أو لا يكون، ليس هناك خيار ثالث، ومن يقول بأحد القولين ملزوم بالدليل، إذ أن الدروشة أن تزعم شيئًا لا دليل عليه، أو تصف شيئًا لا وجود له سوى في رأسك، أو أن تغمض عينك لفترة طويلة ثم تفتحها على ذيل فيل ثم تغمضها مرة أخرى وتزعم أن كل ما تلمسه هو ذيل فيل. فمن قال أن ذلك عقاب على ذنب كذا وقع في الدروشة حين لم يأت بالدليل على ذلك، ومن قال أنه ظاهرة عالمية لا علاقة لها بالعقاب أو ليس لله فيها حكمة بلا دليل فقد وقع في نوع آخر من الدروشة. 

الذي وقع فيه الفريقان هو عدم التفريق بين حكمة الله في خلقه وبين الظاهرة الطبيعية، إذا أن الأولى تجيب عن سؤال لماذا حصل هذا؟ والثانية تجيب عن سؤال كيف حصل هذا؟ ولا سبيل للتفريق بينهما، فالظاهرة الطبيعية هى كيفية إنفاذ حكمة الله بوسيلة طبيعية. ومعرفة الظاهرة الطبيعية لا ينفي وجود حكمة لله في كل شيء يقع، ونجزم بحكمة الله في كل شيء يقع،  لكننا لا نملك على وجه التحديد الحكمة من هذا الذي يقع إلا بوحي من الله،  كما أن عدم معرفة الحكمة لا ينفي عدم وجودها، إذ عدم وجود الدليل على شيء لا يعني عدم ذلك الشيء، إذا عرفنا هذا فقد عرفنا أنه لا سبيل الى التفريق بين لماذا وكيف.

ومن صور الدروشة أيضًا نظرية المؤامرة، والتي لا دليل عليها سوى التأثر ببعض الأفلام والكتب، لأن المؤامرة من صفتها الخفاء، وتحقق وجودها لا يظهر إلا بعد ظهورها بنفسها، والتذاكي في ادعاء وجودها بلا دليل قد يكون دروشة. قد تكون هناك مؤامرة، لكن ليس بين أيدينا أدلة على ذلك سوى الحدس واستقراء الأحداث السابقة، وإلى أن تظهر الأدلة على المؤامرة فلا نملك سوى أن نتصرف بحسب ما بين أيدينا، والمهم من كل هذا أن نسلك المسلك الصحيح في الاستدلال على أفكارنا حتى لا نقع في الدروشة.

---

مشاركات لكتاب تمام

---

مواضيع مهمة