عبده.. مهندس كهرباء بدرجة فنان

عبده

عندما أعطي "عبده" للمهندس الصيني "ليو دينغ يون" اللوحة، التي رسمها بمناسبة عيد ميلاده، لم يصدق الحاضرون أن هذه رسمة، وليست صورة حقيقية، وأعجبوا جميعا بها، وأثنوا علي موهبته، ومهارته في الرسم.

فى عام 1987، كان "عبده" طفلا ذكيا وموهوبا، ويبلغ من العمر8 سنوات، ويقضي أوقات فراغه بطريقة لا تشبه بقية الأطفال فى مثل سنه.

دائما كان "عبده" يستفيد من أوقات فراغه، ويحقق فيها عالمه الخاص.

ذات يوم، ذهب "عبده" إلي المكتبة المدرسية، كعادته،  وبينما كان يتجول، مستغرقا النظر فى الكتب، وكأنه لا يري سواها، وقعت عيناه علي كتاب بدون عنوان، يراه لأول مره، غلافه مزخرف برسومات كثيرة متداخلة، وألوانه مبهجة.

أمسك "عبده" بالكتاب، ووجده لتعليم الرسم، وجذب إنتباهه، وأخذ يقلب فى صفحاته لعدة ساعات، وحينما انتهي من قراءته، طلب من امين المكتبة استعارته، وكان يحمله معه أينما ذهب، ويحمل معه- أيضا-  قلم رصاص، ودفترا صغيرا للرسم، وأخذ يرسم كل ما يلفت نظره في الطريق.

فى إحدى المرات، كانت معلمة الرسم تتفقد رسومات الأطفال في الفصل، وأبدت إعجابا شديدا بموهبة "عبده"، رغم صغر سنه،  شجعته على مواصلة الرسم.

حرص "عبده" على شراء المزيد من الكتب، ومشاهدة البرامج التعليمية للرسم، وكان حبه وشغفه للرسم يتزايد، مما أهله لإحراز تقدم سريع فى تنمية موهبته الدفينة.

فى عام 2011،  التحق "عبده" بقسم الكهرباء – هندسة عين شمس، واعتماداً علي موهبته وقدراته الفذة في الرسم , أصبح طالبا متميزا وسط زملائه بالقسم.

كان أصدقاؤه يطلبون- دائما- منه أن يقوم برسم لوحات لهم، ولأنه يتمتع بشخصية ودودة لم يرفض أبدا طلباً لهم، بل كان يستغل موهبته في إرضاء زملائه وإسعادهم، وكلما كان يجد وقتاً كان يرسم أحدهم، الأمر الذي جعل له شعبية كبيرة في جامعته.

بعد تخرج "عبده" من الجامعة، فى عام 2015،  وفى أثناء إنتظاره فرصة للتوظيف، استغل وقت الفراغ في تنمية موهبته، وخطرت على باله فكرة إقامة مشروع صغير، بإنشاء صفحة علي الفيسبوك وإنستجرام، ونشر رسوماته عليها، مما وفر له متابعين، أبدوا إعجابا بأعماله،  وزاد عددهم، وتزايدت طلباتهم من الرسومات،  وحقق هذا المشروع الصغير مكسبا، وعائدا ماليا- وفيرا- له ولأسرته.

فى عام 2017، وعندما علم "عبده" أن الشركة الصينية العامة للهندسة المعمارية- مصر، سوف تنفذ إنشاءات ضخمة فى منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، راوده الحلم فى الإلتحاق بهذه الشركة.

 تواصل مع زملائه من المهندسين،  وذهبوا- معاً- لإجراء مقابلات التوظيف المتبعة في الشركة، وبعد الإنتهاء من تدريب إستمر لمدة ثلاثة أشهر، وافقت الإدارة علي إلحاق "عبده" بالعمل، وبمرور وقت قصير، أصبح"عبده" من أفضل مهندسى الكهرباء بالشركة.

برغم انشغال "عبده" في موقع العمل، إلا أنه لم يهمل موهبته، بل يواصل ممارستها وتنميتها، وعندما يعود إلي بيته، مثلا، حتي وإن بدا مرهقا، يخصص وقتاً للرسم.

لأن "عبده" يعمل مهندسا فى شركة عملاقة، ومعترف بها دولياً ، بات من الطبيعي أن تصبح التكليفات، المتعلقة بالتصميمات، صارمة، الأمر الذي جعله يشعر وكأنه وجد المكان الصحيح لإستغلال موهبته

في شهر يونيو الماضى، قرر مشروع منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية تقديم نموذج لغرفة يشارك فيها قسمى الكهرباء والتصميم الداخلي بناءا علي إرشادات الإستشاري.

كان التصميم معقدا بعض الشيء، وعندما انتهي "عبده" من دراسته ومناقشة الإستشارى بشأنه، سأل نفسه: لماذا لا يستغل موهبته الفنية في تنفيذ هذا التصميم؟ إنتهز فرصة وقت راحته، وأخذ يربط بين معلوماته عن التصميم، وبين موهبته في الرسم، ورسم تصميما ثلاثي الأبعاد للغرفة.

بعد مرور إسبوع، ذهب"عبده" لعرض التصميم علي الإستشاري، أخبره مدراء المشروع أن هذا التصميم هو- بالفعل- ما يريدونه، وبدأ تنفيذه علي الفور.

ويواصل "عبده" الإهتمام بموهبته فى الرسم، مهما إنشغل فى أداء وظيفته كمهندس كهرباء، وكلما تتاح له الفرصة، يخرج دفتره الصغير وقلمه الرصاص ويبدأ في الرسم.

 وبمرور الوقت أصبح "عبده" محط إهتمام عدد كبير من المتابعين الصينيين والمصريين، الذين يطلبون منه أن يعلمهم الرسم.

عند سؤال "عبده"عن خططه المستقبلية ، أجاب- بكل فخر- أنه بعد اكتمال المشروع، سوف يصطحب أهله، ويرسم لوحة خلفيتها منطقة الأعمال المركزية، ويخبرهم أن هذه المباني والأبراج العالية التي يرونها، تتضمن تصميمات كثيرة، رسمها بنفسه.

حقا وصدقا.. الحرفي يعمل بيده، والمهني بعقله، والفنان: بقلبه وعقله ويده..

اسحب من اليسارالى اليمين لتمتع أعمال عبده

P3 المقدمة :  فرع